وقفة مع الدكتور محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي


       بعيداً عن المواقف السياسية, وبعيداً عن الأتفاق والأختلاف , وبعيداً عن المواقف المسبقة, وبعيداً عن العلاقات الشخصية في الود أو الكره, وبعيداً عن المدح او القدح الذاتي النفعي, وبعيداً عن التقرب أو التكسب أو البحث عن منفعة, وبعيداً جداً عن المجاملات أود أن اقف أمام هذه الشخصية السياسية الجديدة على المواقع العامة المؤثرة, والقديمة في الموقف السياسي والنضال ضد الدكتاتورية, وبغض النظر عن الأتجاه أو الأديولوجيا الجاهزة للأقحام في الرفع أو الأيقاع, أو في الذم أو الأطراء.

محمود المشهداني الطبيب الأنسان كان يوماً طبيب عائلتنا الخاص الذي كنا نتوجه اليه نحن وأطفالنا للمعاينة والعلاج, أصبح صديقاً موثوقاً ومقرباً الى النفس نكن له كل الحب والتقدير والأحترام, وذلك ايام فتح عيادته في مدينة الحرية وهو خارج من السجن مصادر الأموال المنقولة وغير المنقولة والمطارد المراقب.

مالذي يدفع انسان مثلي يختلف مع هذا الرجل في القومية والمذهب والأتجاه الفكري والسياسي. هو العربي وانا الكردي الفيلي, هو المتدين وانا العلماني مالذي يدفعني الى التآلف معه ومودته ومجالسته؟

كيف يلتقي هذا بهذا؟!

محمود المشهداني ترك أثراً كبيراً في نفوسنا, نحن كعائلة وأنا كفرد, ظل حتى اليوم وقبل أن يبرز اسمه سياسياً وأعلامياً حتى. كان دائماً على السنتنا هنا في الغربة وهناك في بغداد مع من بقي من العائلة.

كنا نجلس أنا وهو في عيادته حين تفرغ من المرضى لنتحدث في الأدب والشعر السياسي. أقرأ له قصائدي, ويقرأ لي قصائده. فالرجل شاعر ومتابع للأدب وتأريخه, شغوف به كأفضل أديب. وماذاك بغريب على رجل مؤمن متدين صادق الأيمان والتدين, نظيف الطوية, سليم القلب, طاهر اليد, يحب الناس. وللعلم كان لايأخذ من الفقراء أجرة العيادة, بل يمنحهم أيضاً من عيادته الدواء مجاناً, وهو المطرود من وظيفته في الجيش والمصادرة أمواله, لايملك شروى نقير حينها. أتذكر أنه في مرض زوج شقيقتي الطويل كان يأتي بنفسه الى البيت لمعالجته.
دفء في النفس, ورقة في العاطفة, وانسانية في التعامل, وبعد عن التعصب.

كان يتألم لما تعانيه شريحتنا الفيلية من تهجير ومصادرة أموال. لايخشى من أن يصرح برأيه. وفي نظري أن ايمانه الديني الذي اختاره مسلكاً في الحياة والنضال وموقفاً في السياسة كان ايماناً صادقاً حقيقياً نقياً صادراً عن قناعة تامة وفهم دقيق, والدين الأسلامي كما نعرف بعيد عن التعصب مليء بحب الخير والناس والعمل من أجلهم ومن أجل الضعفاء والمساكين والمظلومين. والمتمسك بالأسلام عن ايمان صادق لابد أن يتحلى بكل ما جاء به ديننا من شرائع وتعاليم وتوجيهات للفرد والمجتمع.

لم نشعر يوماً بأن الرجل في داخله تعصب أو رفض للآخر, فما كان يمنحنا من دفء عاطفته وحبه ورعايته وعلاقته وسلوكه الأنساني أدخل في نفوسنا الأطمئنان اليه والثقة به وحبه واحترامه.

ثم هاجرت انا وعائلتي من العراق في اواخر عام 1991 لنستقر في السويد, لكننا بقينا نتتبع أخباره من الأهل في بغداد, وبقي أثره الطيب في نفوسنا. حتى بدأت العملية السياسية الحالية وبدأ اسمه يظهر في وسائل الأعلام مع قائمة التوافق. والحق انه عندما ورد اسمه مدحاً على لسان الرئيس جلال الطالباني لم أكن أعرف أنه المقصود, حتى انتبهت زوجتي يوماً الى صورته في التلفزة وفي احدى المؤتمرات الصحفية لتصرخ هذا هو الدكتور محمود المشهداني ……!!
وكان هو …!
واليوم حين رأيناه يعتلي كرسي رئاسة البرلمان شعرنا بأرتياح بالغ حقاً. وحين بدأ يتكلم بمرح ومزاح, وهما ماعرف بهما, شعرنا أن الرجل لايزال شخصياً كما هو, بأبتسامته ومرحه وكلامه ودفئه. فتلقائيته وبساطته وحركته الطبيعية ومرحه ومزاحه في جلسة البرلمان أشاع جواً من اللطافة والمرح وسط الجو المكهرب الذي كان مخيماً كما لاحظنا. ومن خلال متابعتنا لمؤتمره الصحفي ثم لقاءاته وتأكيده على مبدأ الوطنية العراقية ونبذ الطائفية شعرنا بأن العراق ربما, وهو مانتمناه, قد وقف على الطريق وفي أيد امينة نقية حريصة مخلصة صادقة في خدمته وخدمة شعبه. وهو يمنحنا أملاً بأن تحل كافة القضايا العالقة ومنها قضية أموال وممتلكات وحقوق الكرد الفيليين أسوة بالمواطنين العراقيين الآخرين.
لكن … وبلا شك, للظروف السياسية المعقدة والخطيرة التي يمر بها العراق ولموقف وأجندة القوى والتيارات المختلفة أثر بالغ على المسيرة السياسية وتوجهاتها قوى وقادة وأفراداً.
لاتكفي النية الشخصية السليمة والنقية والمخلصة في تنفيذ السياسات والتوجهات, فللمصالح الفئوية والقومية والمذهبية والسياسية للقوى الداخلية والدول الخارجية والقوى الدولية أجندتها وأستراتيجياتها التي قد تجري بالضد من النوايا الوطنية الطيبة في خدمة العراق وشعبه, واخراجه مما عاناه ويعانيه يومياً. وبالتأكيد فأن كل ذلك أقوى من الأرادات الفردية والجماعية.
ونحن نتمنى من قلوبنا أن يكلل النجاح مسيرة الدكتور محمود المشهداني في موقعه القيادي الجديد المهم في بناء العراق الجديد. وعساه يصمد في وجه الرياح التي ستهب في طريقة قوية شديدة وخطيرة دون شك, كما صمد أيام الدكتاتورية للسجن والحكم بالأعدام ومصادرة الأموال.

الأحد 23 نيسان 2006

أرسل هذا المقال لصديق  أرسل هذا المقال لصديق    صفحة للطباعة  صفحة للطباعة