الكلمة التي القاها السيد رئيس مجلس النواب في جلسة المجلس لهذا اليوم الثلاثاء الموافق 5-12-2006:

أيها السيدات والسادة: لقد ظل شعب العراق يتطلع طوال الفترة المنصرمة الى ان ينهض ممثلوه في البرلمان وقادته السياسين في الأحزاب والكتل المختلفة بمسؤولياتهم التي قبلوها تحت خيمة حكومة الوحدة الوطنية التي تعاهدوا فيها على أن يجعلوا من شعب العراق الذي يمثلوه عمقها وسندها.


بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا .من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له .
واشهدان لا اله الاالله وحده لاشريك له وأشهد ان محمدعبده ورسوله. أما بعد :-
فإن شر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
((ياأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاتة ولا تموتن ألاوانتم مسلمون ))
ياأيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيباً))
((يايها الذين أمنو اتقوا وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً ))
أما بعد :-
لقد كان لنا جميعاً من شرف المقام وعلو المكانة ان جعلنا الله سبحانه مصداقاً لنعمة التغيير الذي مَنَ به تعالى على شعبنا العراقي الصابر عندما تحركت بين جوانحه نوازع الانتفاضة والخلاص من براثن الظلم والديكتاتورية،فقدم على ذلك الطريق التضحيات الجسام واستحق بعدئذ عون الرحمن على تغيير واقعه تحقيقاً لوعد وعد به جبار السماوات والارض كل امة عقدت امرها على نية الخلاص فقال تعالى((ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))صدق الله العلي العظيم.
وقد صدق الله وعده وجعلكم خلائف في الارض لينظر كيف تعملون  وتحقق لكم ماكان بالامس حلماً عابراً او امنية يصعب نوالها.وكان لكم مضمار التسابق في رد الإعتبار لهذا الشعب والنهوض بواقعه الى مايستحق من علو المقام ولارضه المطهرة بأجساد الانبياء والاولياء والعظماء.
وماكان لشعب العراق المنتظر لفرصة الانعتاق وقد اضنته شقة السفر الطويل بين طيات الظلم والحرمان وأعيته احمال الفاقة في مسالك التيه إلا ان ينعم بزمن الحرية وقد بزغت انوارها بعد طول إنتظار.فألقى رحاله في ساحة من إختارهم من ابنائه.واسلم قيادته لمن انتخبهم من ثقاته. وحمل مسؤولية شأنه لمن اعتد بهم من طاقاته.املاً بإنتهاز الفرصة وإستثمار النعمة وإنتشال واقعه من تلك الهوة السحيقة التي كان يقبع فيها. نعم لقد كرس شعب العراق فينا كل رغباته للنهوض والتطور واللحاق بركب الانسانية دون ان يحدد او يشترط انتماءاتنا او مذاهبنا او مشاربنا ولكنه دفع بأبنائه الى هذه المهمة العظيمة وليس بعنوان اخر واثقاً من صدق إنتمائنا اليه وغيرتنا عليه ولهفتنا لرؤيته في مصاف الامم المتقدمة ولم نكن نحسب او نرغب في ان يحوز كل الى طائفته او قوميته اودينه او حزبه وكأن الامر غنيمة من غنائم حرب غزوا فيها ولكنه قدمنا اعلاماً لوطن واحد وشعب واحد لافرق فيه لأحد على احد إلا بالعلم والتقوى.والا بمقدار همته في الوفاء لهذه الارض ومن عليها.فكنا نحن نتاج ذلك المخاض العسير وقد صقلتنا الايام والبستنا من لباس قسوتها ما ابليناه ولم نفارق ما نحن عليه من الجد في خلاص هذا الشعب من محنته فبلغنا نحن ماكنا نطلب من زمام امره فإذا بنا نتصارع على غرور حائل وسناد مائل وضوء عافل وتلك لعمري هي الدنيا التي إستهنا بها  بالامس لكي نحقق مطلب هذا الشعب وتسابقنا اليها اليوم لكي يحوز كل طرف لحسابه مايستطيع.فأهملنا امره وإنشغلنا  بغيره حتى تكالب عليه اصحاب الغرض السيء والعملاء والمأجورون واصحاب الاجندات والمصالح السياسية  والبرامج التي تملأ حقائب الجوار والمحتل وعصابات الاجرام ومجاميع الظلام. وجلسنا بعد ذلك نتباكى على مصابه واقبل كل منا يلقي على غيره اسباب عنائه وكم دإب هذا الشعب على إستنفار غيرتنا لنبذ مصالحنا والخروج من اسوار إنتمائنا للطائفة او المذهب او القومية او الحزب صيانة لوحدته وحفاظاً على تماسكه وتحقيقاً لامنه وإستقلاله.فلم نعره اذان صاغية ولم نمنحه قلوب واعية وطفقنا يقذف بعضنا بعضاً ويخالف قوماً اخرين وتاه الشعب  بين سندان تقاطع الإرادات وصخب الصراعات ومطرقة الاحتلال ولم نستطع رغم كل الجهود لتقريب وجهات النظر ولم الشتات ورأب الصدع ان نقيم حكومة تنطق بإسم العراق وتتحرك بقوة الوجود الواحد لتكتسب الهيبة وتلبس رداء القوة وتلتحم برباط العصبة.فتكون في مقام الثقة والاعتداد من جماهيرها وجيرانها واصدقائها قادرة على بسط سيادة القانون وملتزمة بقواعد الدستور وممسكة بزمام الامور.تضبط مفاصل الدولة وتمسك بقبضة القيادة وتصون سيادة العراق وامنه وإستقلاله وتحافظ على  ثرواته التي تخضمها آفة الفساد اليوم خضمة الابل نبته الربيع حتى تعطلت برامج الاعمار وتوقفت عجلة الاقتصاد عن الدوران وذهبت مخططات النمو ادراج الرياح ونحن على مشارف نهاية العام الرابع من قيام دولةجديدة قامت على قواعد الديمقراطية التي يفترض أن تفعل رأي الشعب وتحترم الاخر وتتبنى لغة الحوار اساساً لحل مشاكلها وبلوغ مآربهاوتتداول السلطة تحت مظلة السلام وتنطلق الى ساحات البناء ودرجات النماء بخطوات واثقة ومسيرة قاصدة.وهاهي دورة الزمن تدور ونحن في مقام التراجع والفشل بعد ان تآلفنا وتحالفنا واتفقنا على العمل سوية في أطار حكومة وحدة وطنية تحرص على تحقيق أمل العراقيين وتطلعاتهم في بناء مستقبل مشرق وأمن.
اخواتي واخوتي ممثلي الشعب :  لقد إنشغلنا جميعاً  في دراسة المشهد العراقي وقمنا على تحليله والنظرفي تداعياته بحثاً عن اسباب الخلل  ومصدر التراجع في أداء الدولة سعياً لإنتشال واقعه المتردي وأملاً بالنهوض به الى مشارف العلاج على اقل تقدير فإحتاجت عملية كهذه مراقبة الواقع ودراسته.ليكون ممكناً تحديد الاهداف التي نرومها من خلال بناء قاعدة معلومات شاملة عبر رحلة  شاقة  من التقصي  والبحث عن  مكامن اسباب   الإضطراب والاختلال ولنستطيع بعد ذلك تحديد نقطة الإنطلاق الصحيحة على طريق علاج المشكلة العراقية وإختيار الآليات المناسبة لتحرك ميداني واقعي الى ساحة الخلاص من هذه الازمة الخانقة.وفي كل هذا الخضم يبرزالملف الامني في مقدمة الملفات التي تشكل مهمةالدولة في ديمومةالحياة وصيانتها وتوفير وسائل واسباب النمو والتطور في مختلف الشؤون، بلوغاً الى مايطمح اليه الجميع من عملية التغيير التي اريد لها ان توطد اركان الواقع العراقي الجديد سياسيا ًواقتصاديا ًوخدميا ًوتنموياً وتقوم على اساس  بناء الوطن والانسان على حد سواء.ومهما كانت اسباب تداعي الملف الامني الذي يحصد ارواح ألاف الابرياء ويعطل عجلة النماء فان مآله بعد التدقيق الى ضعف الدولة وليس سوى ذلك.
وبينما تحدّد آراؤنا أسباب الأضطراب الراهن، فمنا من يقول:- دول الجوار الاقليمي ومنا من يلقي تبعة ذلك على بؤر الارهاب على أختلاف مشاربها، ومنا من يعزيه الى الاجنحة العسكرية للاحزاب السياسية تحت عنوان الميليشيات الطائفية  ومنا من يعلق   ذلك على شماعة الاحتلال ومنا من يشير الى عصابات الاجرام ومنا من يجمع كل هذه المصادر ولكن ذلك كله سيعود في نهاية المطاف الى ضعف الدولة التي اسهم الجميع  في  إضعافها  بتصارع  الارادات  وإختلاف التوجهات  ولواقح  المخاوف وتعميق التخالف لإنعدام ثقة بعضنا ببعض والتحسب من غلبة احدنا على الاخر فعجزنا عن الخروج من اسوار المصالح الخانقة الى فضاء الحالة العراقية التي تجمع الاجزاء المختلفة نحو بلوغ الأهداف المنشودة . وفشلنافي تحقيق مشروع النهوض بالعراق ارضاً وشعباًمن خلال  ممارسة ديمقراطية تعتمد الطيف العراقي اساساً في بناء الانطلاقة  الوطنية وتتخذ من نسيج التنوع قاعدة  لتلك الإنطلاقة  التي  تتسع للجميع  وتفسح مجال المشاركة لهم  وتتيح فرصة  تحقيق  الذات و الطموح  والمساهمة في إعادة  بناء الوطن والحفاظ على هويته العربية والاسلامية  بمفهوم الجسد الواحد الذي إذا إشتكى  منه عضو تداعى له  سائر الجسد بالسهر والحمى ولكننا إنزوينا في شرانق  الطائفية و الحزبية والعرقية وتعصبنا لها على حساب المصلحة الوطنية وإبتعدنا كثيراً عن مضمون التمثيل الحقيقي للإمتدادات التي جئنا لتمثيلها على اساس إنها عموم الساحةالعراقية، فأمعنا في تفكيكها وكنا سبباً في تصارعها حيث لم تكن تعاني سلفاً من التفكك والتصارع فأخفقنا في تجسيد حكومة وحدة وطنية تمثل كل العراقيين وتسعى  لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم في الوحدة والتحرر والحياة الحرة الكريمة وان لاتكون اسيرة براثن الفئوية والطائفية والعنصرية في ساحة مفتوحة لاتحصنها الاسوار امام مختلف المطامع المحلية والاقليمية والعالمية. فخسرنا وبكل صراحة اعتداد الجماهير وثقتها بقدراتنا على تحقيق الحلم العراقي الواحد وانعكست صراعاتنا على ساحتها تصنع الاحتقان وتباعد بين الاخوان وتخرب البلدان فكنا سبباً رئيسياً في زعزعة الامن وتعطيل الحياة دون ان نلتفت الى خطر ذلك علينا كأحزاب وكتل وعلى مصير العراق الذي القينا به في مهب الريح. وإنعكست تداعيات فشلنا في  التوحد والتماسك على   سياسة الولايات المتحدة الاميركيةعندما شعرت ان هناك فراغاً سلطوياً واضحاً لضعف الحكومة وعدم قدرتها على ممارسة سلطتها الشرعية مما أنتج هذا الخضم العارم من الفوضى والاخذ بالتفاقم الى درجة الفلتان فإنخفضت مستويات ثقتها بقدرة الحكومة العراقية على إدارة هذه  الازمة وربما بلغت حالة اليأس من إمكانياتها على ذلك،مما حدا بالإدارة الأمريكية الى التفكير بمعزل عنا في وضع سياسة جديدة بعد ان إنتابتها حالة من القلق على مصالحها في المنطقة وعلى مقامها  بين دول العالم، وبعد ان انعكس الواقع العراقي على ساحتها فأضر بالكثير من  برامجها  ومصالحها ووضعها السياسي في الداخل والخارج.وقد ارادت  من  هذه السياسة الجديدة ان تجد لنفسها مخرجاً من الوضع الحرج الذي بدت تعانيه داخلياً وعالمياً حتى لو كان ذلك على حساب التجربة الديمقراطية التي اعطاها الشعب العراقي كل مالديه وليس ببعيد عن الجميع لجنة دراسة الاوضاع في العراق والتي تقصت واقع التورط الاميركي وعكفت على تقديم مقترحات تضع في حسابها قبل كل شيء مصلحة بلدانهاوشعوبها والخلاص من مأزقهم.ونحن نبحر في سفينة العراق وقد تقاذفتها الامواج وعبثت بها الاعاصير ونائت بها الرياح ولسنا نعلم اين سيكون مستقرها وهي تضرب في التيه ضرب القمار  وربما يغمرها موج كالطود بعد حين فتغرق بمن فيها حيث لاعاصم بعدئذ من ذلك الامر إلا الله.
أيها السيدات والسادة:
لقد ظل شعب العراق يتطلع طوال الفترة المنصرمة الى ان ينهض ممثلوه في البرلمان وقادته السياسين في الأحزاب والكتل المختلفة بمسؤولياتهم التي قبلوها تحت خيمة حكومة الوحدة الوطنية التي تعاهدوا فيها على أن يجعلوا من شعب العراق الذي يمثلوه عمقها وسندها.  وهذا للاسف مالم يحدث مما انعكس سلباً على أداء الحكومة التي إتسمت معالجاتها لاهم القضايا واخطرها بالتباطؤ وعدم الحسم وخاصة الملف الامني الذي يعد المؤشر الحقيقي لفشل الحكومة الى جانب ملفات أخرى كالخدمات العامةوالفساد الأداري والبطالة وغيرها.
ان التجربة تؤكد ان مشكلتنا الحقيقية تكمن في فشلنا في إقامة دولة قوية وحكومة موحدة تمتلك الامتداد والسيطرة على البلاد وتقوى على تحصين الثغور ومسك زمام الامور وفرض سيادة القانون والنظام  وما فشلنا في ذلك إلا بسبب هذا الصراع السياسي الذي يحجب عنا هذه الغاية ويمنعنا من الوصول الى ذلك الهدف.ولاخلاص من ذلك الصراع السياسي إلا بكسر قيد الولاء للاطراف والاجزاء وخلع رداء التمترس والانتماء.  لذلك فان الواجب الشرعي والوازع الوطني يدفعني الى دعوة من يحركهم هذا الوازع بغض النظر عن مذاهبم ومشاربهم وانتماءاتهم الى تجمع وطني عراقي يشكل كتله وطنيه تتخندق للعراق لتتبنى حل المشكلة العراقية وتنطلق في مسيرة أساسها الوحدة ونهجها الاعتدال واحترام الآخر وبعيدة عن التطرف والمطالب الخاصة وطليقة من قيود المصالح السياسية ومتفيأة ظلال التسامح والعفو الا ما يفرضه القانون على الذين اساؤوا لهذه الأمة وأجرموا بحقها ونابذة تصفية الحسابات ومتحررة من أغلال الماضي وساعية الى دولة أساسها الحقوق المدنية والسياسية للجميع على حد سواء وقادرة على لم الشتات وانتشال أمة العراق من خطر العواصف التي تلوح في الأفق ورافضة لكل حل ترسمه الدوائر خارج إطارها ومعيدة ثقة العالم أجمع بقدرة العراقيين على التوحد ومد الوطن بأسباب الحياة. وإني أطرح هذه الدعوة كمقترح رسمي على طاولة النقاش  لكي يأخذ طريقه الى التحقق من عدمه ولكي نبرأ ذمتنا أمام الله والشعب والتأريخ ولنسجل على صفحاته أننا دعونا دعوة الحق التي أردنا منها بلوغ خلاص هذه الأمة من وحل الانهيار والانحسار والتلاشي. وفي الوقت ذاته فإنها دعوة الى كل جماهيرنا التي أعياها الانتظار ومالت بها الأقدار الى ابداء رأيها في هذه الدعوة معبرة عن ذلك بما تراه مناسبا من التعبير. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
بسم الله الرحمن الرحيم

 

                                            ((وإعتصموا بحبل الله جميعاًولاتفرقوا))
صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين.

 

                                                   الدكتور.محمود المشهداني
رئيس مجلس النواب

أرسل هذا المقال لصديق  أرسل هذا المقال لصديق    صفحة للطباعة  صفحة للطباعة