نص كلمة رئيس مجلس النواب العراقي السيد أسامة عبد العزيز النجيفي في مؤتمر دعم فلسطين الدولي المقام في طهران
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
صدق الله العظيم
يشرفني ان احييكم جميعا نيابة عن شعب العراق ومجلس نوابه ابتهل الى الله جل وتبارك في علاه ان يمن على اجتماعنا بالسداد والتوفيق لما فيه خير امتنا الاسلامية العزيزة وتقدم ورخاء وسيادة واستقرار وسلام شعوبها، كما يشرفني ان اخص الجمهورية الاسلامية الايرانية الصديقة قيادة وشعبا على احتضانها اعمال مؤتمرنا هذا وما خصته به من حفاوة وتكريم وتنظيم.
ينعقد مؤتمرنا ايها الاشقاء والاصدقاء الاكارم في ظروف بالغة الدقة والتعقيد لعل اهمها ازدياد الهوة بين مطامح شعوبنا واستحقاقاتها الانسانية الطبيعية، وبين الازمات العاصفة التي تدوم في جميع ارجاء عالمنا الاسلامي والتي تحول دون بلوغ شعوبنا ما تطمح به من تقدم ورخاء وسلام وكرامة وسلطة حقيقية على قرارها الوطني، وما كان لهذه الهوة ان تكون وان تزداد عمقا، لولا اخفاقنا في صناعة قرارنا الاسلامي الموحد وصياغة رؤى سياسية واقتصادية مشتركة، اذ ان كاهل عالمنا الاسلامي مثقل بشتات الرؤى وهزال القواسم المشتركة، رغم ان قواسمنا المشتركة طبيعية وتاريخية ليست مبتدعة، وان اواصرها اقوى ووشائجها اصلب من اية قواسم مشتركة بين اي عالم اخر سوانا، فما زال عالمنا مستهلكا لخرائط طرق يضعها الاخرون لنا، ولم نجهد انفسنا، رغم ثراء اوطاننا وشعوبنا بملكاتها العلمية والفكرية والابداعية في انتاج خارطة طريق واحدة موحدة تنقلنا من دائرة الشتات الاستهلاكي السلبي المدمر ليومنا وغدنا بما ينطويان عليه من ثروات بشرية وطبيعية هائلة الى دائرة التوحد المنتج الايجابي الصانع ليوم اسلامي مقتدر ومؤثر وغد سعيد وقوي.
ليس من الحكمة، ولا من المسؤولية الوطنية والاسلامية التاريخية ان نجلس على مقاعد الفرجة فيما الاخرون ينشغلون في اعادة انتاج الخارطة الجيوسياسية للعالم كله ومنه عالمنا الاسلامي وفقا لمنطلقاتهم السياسية والاقتصادية، وليس من الحكمة ولا من المسؤولية الوطنية والاسلامية التاريخية ان يصنع لنا العابثون اقدارنا فيما ننشغل نحن في ازمات انعدام الثقة في ما بيننا، وازمات التاريخ المؤدلج الذي لم نستثمر علاماته الايجابية التوحيدية قدر استثمارنا علامته السلبية التمزيقية، وليس من الحكمة ان يمضي المختلفون تاريخا وثقافة ونوعا انسانيا في العالم نحو اقامة تكتلات سياسية واقتصادية هائلة القوة في كل الميادين بينما نمضي نحن (المتفقون تاريخا وثقافة ونوعا انسانيا) نحو شتاتنا المزمن وفرقتنا الثابتة، ولذا، فاننا نكرر دعوتنا الى اقامة اتحاد اسلامي يضاهي الاتحاد الاوربي والى انشاء سوق اسلامية مشتركة تضاهي ما يماثلها، والى وضع خارطة طريق موحدة لدولنا وشعوبنا على جميع مستويات الحياة تؤهلنا لان نكون من صناع القرار في العالم لا من مستهلكيه، ففي ذلك وحده نستطيع ان نجد انفسنا على خط شروع جديد في بناء مستوى اخر من مستويات القوة والتأثير في عالم اليوم.
لا شك في انكم تشاطروننا الرأي في ان تجربة البناء الديمقراطي في العراق تواجه تحديات جمة، داخلية وخارجية، تهدف الى افشالها واسقاطها في بحر فوضى لا تبقي ولا تذر، ولكنني استطيع التأكيد على ان ارادة شعب العراق على انجاز دولة المؤسسات الديمقراطية الرصينة قوية، وان اصراره على مواجهة التحديات ثابت لا يتزعزع، رغم جسامة التضحيات وفداحة الخسائر، فلقد علمتنا دروسنا التاريخية ان وطننا كطائر العنقاء ينبعث من رماده دائما ليجدد دورة حياته بهمة اقوى وجنان ثابت، ولهذا فان رمال وضع العراق السياسي المتحركة الان رغم مخاطرها المتمثلة في نظام المحاصصة الطائفي الذي ايقظ فتنة ليست نائمة بل ميتة، وجرثومة الفساد التي تكاد تفتك باوصال الدولة، وهي جرثومة مستجلبة هجينة غريبة على قيم شعبنا ومثله الاسلامية الخيرة، وتفشي الميليشيات والجماعات الارهابية، في طريقها الى الزوال باذن الله تعالى وتآزر قوى شعبنا، ومعالجة بعض الاختلالات التي انطوى عليها الدستور الحالي نتيجة الظروف المعروفة التي اسقطت ظلالها الداكنة على بعض جوهره ومتنه.
لكن، هذا لن يتأتى ان لم تتحقق ارادة دولية واقليمية على تجفيف منابع الارهاب، ومنع التدخلات السلبية في الشأن الداخلي العراقي، والكف عن تحويل العراق الى ساحة لصراع الارادات الدولية او تصفية الحسابات، كما لن يتأتى ان لم تتعاون دول الجوار تعاونا صادقا وامينا وفق مبدأ الشراكة القدرية التاريخية، مع حكومة العراق بدل صناعة ازمات لها او معها توفر للجماعات المناوئة قدرا كبيرا من الحاق الاذى بشعبنا ودولته، ولعلنا لا نفتئت عندما نقول ان الدعوة الى ترسيم حدود دول الجوار، والى عدم ابخاس العراق حقوقه في مياه الانهار المشتركة وعدم تجفيف منابع بعضها، والى منع اصابع الارهاب من استخدام اراضي دول الجوار في تهديد شعبنا وتدمير وطننا، والى الكف عن قصف الاراضي العراقية الحدودية، هي دعوة صادقة الى استقرار وسلام دائميين نتمناهما لنا وللشعوب الشقيقة والصديقة المجاورة وجميع دول المنطقة.
تمور في منطقتنا حاليا دوامات من الانتفاضات الشعبية، ومثل هذه الدوامات قد تؤدي الى اهدافها وقد تؤدي الى الفوضى كما هو مترشح الان من بعض الامكنة، لكننا مع تأييدنا المطلق لجميع الشعوب، وضرورة تحرير ارادتها وتمكينها من حريتها، وانقاذها من ازماتها ومآسيها، واحترام حقوقها الانسانية الطبيعية، نرى ان المتظاهرين في الميادين والساحات قد يتمكنون من اسقاط الانظمة القائمة واحداث التغييرات, لكن المعضلة ستظهر عندما تعجز هذه القوى من استكمال مسيرة التغيير بالشكل المطلوب, فبدلا عنها ستستأثر نخب ضيقة بأجندات غاطسة بركوب الموج والعمل على تحديد نمط النظام السياسي المقبل ورسم ملامحه, والبدء في احداث شرخ عميق في النسيج الاجتماعي بأشاعة الاحتراب الطائفي والديني والعرقي واضعاف عوامل الاندماج الوطني مما تسهم بشكل فعال الى تفكيك القدرة العربية والاسلامية وتمزيقها من الداخل بفعل بنيه, ليهيأ بذلك فرصة مثالية لتسلل هذه الاطراف الغريبة لجسد الامة بعد أن عجزت انجاز ذلك طوال الفترة الماضية بالرغم من استخدامها كافة الوسائل الفكرية والثقافية والاعلامية.
اليوم, نحن في العراق, هناك من يحاول ان يتدخل وفق استراتيجية تبوب التعامل مع شؤون العراق الداخلية من دون الاكتراث بسيادتها ومدى قبولها شعبيا في ظل التباطؤ المشهود في التقدم نحو الديمقراطية بسبب هذه الاجندات الخارجية والتخندقات الطائفية.
ولذا فأننا نتوجه بالدعوة الى الحكومات الشقيقة والصديقة التي تشهد بلدانها انتفاضات شعبية الى اعمال لغة الحوار المنفتح مع المنتفضين وصولا الى قواسم مشتركة تحول دون نار فوضى وفتنة لو قامت لا سمح الله تعالى فأن وقودها لن تكون غير الشعوب نفسها وثرواتها وحريتها وكرامتها وسيادتها على قرارها الوطني.
وندعو الجميع من قادة وعلماء وباحثين ومفكرين من المذاهب الاسلامية المختلفة, الجلوس على طاولة واحدة ليفكروا مليا في تجاوز الحواجز المذهبية والطائفية واطفاء نارها.
كما ندعو ايضا دول المنطقة الكبرى كتركيا والسعودية وايران والعراق, كسر حالة الجمود وتظافر الجهود لأشاعة التعاون وقيم الحوار والاخوة وحل كافة الخلافات والتباينات التي ظهرت او تظهر في المنطقة.
ايها الاشقاء والاصدقاء:
ان قضية فلسطين كانت وما زالت ام القضايا العربية والاسلامية والانسانية, وفيها وحولها ينتظم بعض الاداء العربي والاسلامي ان لم نقل كله, بسبب من كون احتلالها مثل خرقا للكينونة العربية والاسلامية.
بدأ الصراع العربي الاسرائيلي حول فلسطين منذ عام 1920, وخاضت الجيوش العربية حروبا ضروسا سقط فيها عشرات الالاف من الشهداء, وكان للعراقيين نصيب وافر في ذلك, اذ قدمت العديد من قوافل الشهداء, ويخلد الفلسطينيون ذكرى لشهداء العراقيين دائما في قرية قباطيا بمدينة جنين, حيث تقع فيها مقبرة شهداء الجيش العراقي.
ان الشعب العربي, قام منذ الايام الاولى بتأمين كل مقومات الدعم المادي والمعنوي وقدمت التضحيات المطلوبة لديمومة نضال شعبنا الفلسطيني، ورغم ان دعم العالم الاسلامي لنضال الشعب الفلسطيني لم يرتق الى المستوى المطلوب تاريخيا واسلاميا وانسانيا، ورغم ان ايجاد حل لهذه القضية ينتصف لاهلنا الفلسطينيين قد مر بتحولات عدة لكنه لم يفض الى حل عادل يضمن ضمن ما يضمنه حق اعلان قيام دولة فلسطينية حرة مستقلة ذات سيادة على قرارها الوطني عاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين المنتشرين في دول المنافي والشتات الى ديارهم التي هجروا منها عنوة، فاننا نجد ان مؤتمرنا ملزم في اعلان تضامنه التام مع قيام الدولة الفلسطينية وتعضيد قبول عضويتها التامة في هيأة الامم المتحدة، وتأمين كل مقومات الدعم الاسلامي لها كي تنهض باداء واجباتها تجاه مواطنيها من جهة واداء دورها الوطني والقومي والانساني من جهة اخرى، ولا شك ان حل هذه القضية سيكون المفتاح السحري لعالم مستقر آمن، وسلام ورخاء وتقدم للمنطقة.
ولعلنا لا نبالغ حين نقول ان اعلانا قويا مثل هذا سيوفر للذين ما زالوا يناهضون مشروع قيام الدولة الفلسطينية فرصة للصحوة ومراجعة الذات كي يعودوا عن غيهم الذي سدروا فيه طويلا بعيدا عن الحق والعدل والانصاف.
واسمحوا لي ايها الاشقاء والاصدقاء الاعزاء ان اكرر تحيتي لكم ومن خلالكم الى شعوبكم الشقيقة والصديقة نيابة عن شعب العراق سائلا الحي القيوم ان يتوج اعمال مؤتمرنا بالنجاح والتوفيق وهو مولانا ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
***
المكتب الاعلامي
لرئيس مجلس النواب العراقي
1-10-2011