نص خطاب دولة رئيس مجلس النواب العراقي الاستاذ اسامة عبدالعزيز النجيفي الى الشعب العراقي
صدق الله العظيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذه الايام المباركات حيث يعود شعبنا الى ممارسة سيادته الكاملة على ارضه ومائه وسمائه وقراره الوطني المستقل وخياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نحمد الله جل وتبارك في علاه على جليل نعمائه وحسن هدايته وعزيز عطاياه، فقد من علينا بالصبر والجلد في مواجهة التحديات حتى بلغنا شطآن السيادة الكاملة.
واذا كان ذلك ناتج فعل شعبي تماسك بقوة ودرأ عنه شرور الفرقة والتمزق، فان الاتي من الايام، حيث التحديات اصعب، والمواجهات اقسى، يدعونا جميعا الى التمسك بعروة الوحدة الوطنية فانها بوصلتنا الى الغد المنتظر، غد العراق الواحد الموحد العزيز المنيع.
وتقترن هذه الوحدة بالديمقراطية من خلال حكومة ديمقراطية يستطيع الشعب في ظلها أن يجتمع، وان يعبر عن رأيه نهارا جهارا، وان يمارس حريته المسؤولة دونما قيد او كبت او حرمان، فانها تعني عندنا اضافة الى ذلك كله عقدا تاريخيا وثقافيا واخلاقيا وقيميا، ترتفع في ظله قيمة المواطن، وتتعزز فيه قيمة الوطن، فلا مواطن عزيزا كريما في بلد ضعيف، ولا وطن قويا منيعا سيدا ومواطنه مقموع ومضطهد ومستبعد ومهمش، وفي هذه الثنائية وحدها يعود شعبنا الى ممارسة دوره الرسالي الانساني الذي عرفته البشرية مذ ولادة حضارتها الاولى على يديه.
ايها الاخوة العراقيون الكرام
ان السنوات التسع الماضيات بكل مافيها من شؤون وشجون، وتضحيات وآلام، وتحديات صعبة ومواجهات شرسة، وبكل ما فيها من ضياعات في الثروات والزمن، ومن هدر لفرص البناء والاعمار والتقدم، تدعونا الى مزيد من التأمل، تأمل مامضى، وتأمل ما قد يأتي.
ولاجلاء هذه التأملات والظواهر نود تثبيت الاتي:
اولا – تعتبر الحريات العامة من اهم منجزات التحولات الديمقراطية في العراق الجديد, اذ تضمن دستوره اكثر من (10) مواد, ومن اهمها تلك المتعلقة بحقوق الانسان الذي يتمتع بها كل كائن بشري, واستنادا لمعاييرها نجد ان حالة حقوق الانسان في العراق قد تعرضت لأنتهاكات جسيمة, من خلال الاستخدام المفرط للعنف ضد الاشخاص والممتلكات وعمليات الاعتقال العشوائية واساءة معاملتهم وقصور في الاجراءات القضائية واستهداف المواطنين الابرياء بكل شرائحهم.
ان حقوق الانسان لن تتحقق في ظل دوامات بعض مسارات العملية السياسية ولن يكون هذا الحق صحيحا وسليما ان لم يكن في بيئة صحيحة وسليمة.
لقد اضحى جليا ان مقدار رقي الامم وتقدمها هو بمقدار تركيزها واحترامها لحقوق الانسان وان ضياع هذه الحقوق هو نسف للديمقراطية.
ثانيا – ان القضاء, ساحة للعدل واحقاق للحق, يخضع خلاله الحاكم والمحكوم على حد سواء بعيدا عن نوع وحجم القرار السياسي والسياسيين, وان قيمة العدل والحرية تتأثران سلبا وايجابا بمقدار الاستقلالية التي يتمتع بها القضاء, وان اي التباس في المشغل القضائي ينعكس سلبا على الاداء العام للدولة ويكون السبب الرئيسي في معظم التداعيات التي ينجم عنها انهيار العملية السياسية.
ثالثا – ان الدستور النافذ قد اكد على ان القوات المسلحة لا تكون اداة لقمع الشعب, ولا تتدخل في الشؤون السياسية, و لا دور لها في تداول السلطة.
ان مبدأ تسخير الاجهزة الامنية والجيش في مهام قمع الشعب لا في خدمته وحمايته هو مظهر من تمظهرات عسكرة المجتمع, وان على الجيش حماية الدولة والدفاع عن الوطن من اي عدوان خارجي, وعليه ان لا تتغير اولويات الجيش من تدريب ورفع مستواه القتالي الى البحث عن السلطة السياسية ودعم الاحزاب, وان يبني نفسه ويهيأها للتعامل مع التهديدات الخارجية وعدم تركيز الجهود على التهديدات الداخلية التي هي من مسؤولية الاجهزة الامنية.
كما ان حالة اللاتوازن واللاتجانس في المنظومة الاجتماعية والمناطقية على تكوين القوات المسلحة والاجهزة الامنية, يجب ان لا تنتهج وفق مناهج بعيدة عن فلسفة الدستور.
رابعا – تميزت الموازنة الاتحادية لعام 2012 بزيادة في النفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية وعدم كفاية التخصيصات المالية لسد حاجة القطاعات الخدمية التي من شأنها تحسين بوصلات التنمية البشرية المختلفة نحو الاحسن, وكنا نأمل ان تكون للخدمات الاجتماعية والتربية والتعليم والصحة وزيادة تخصيصات تنمية الاقاليم ودعم منظمات المجتمع المدني اولوية كبرى بما يحقق رفاهية اكبر للمواطن ووضع الحلول العاجلة وبسقف زمني محدد ومعلوم للازمات الكبرى التي تعصف بشعبنا.
خامسا – ليس من حق اي انسان في العراق ان يصادر مفصلا دستوريا صريحا, لان الدستور هو الحاضنة ومرجع حكيم للجميع وهو القانون الاسمى والاعلى وان اختلف عليه بعض مع بعض من الكلية الجمعية من الشعب العراقي.
ونتطلع من الجميع احترام النص الدستوري, ونقل المنجزات الدستورية من صيغتها النصية الى ميدان الحياة والعمل اليومي لتلبي اتجاهات الرأي العام في كل محافظة تروم تكوين الاقاليم وفق ارادة سكانها متى ما شاءوا واين ما رغبوا كما جاء في الدستور النافذ.
سادسا – ان العلمية السياسية بكل ما فيها من وهن وضعف, ما زالت هي الحل الموضوعي لكل الاختناقات, وان المؤتمر الوطني العام الذي دعا لعقده فخامة رئيس الجمهورية الاستاذ جلال طالباني, سيكون هو الاناء الاصوب للخروج بالعراق من عنق ازماته الكثيرة والمتوالدة, نتمنى ان يحقق النجاح المطلوب بأذنه تعالى..
وبناء على هذه القناعات، ادعوكم يا ابناء شعبي العظيم، كما ادعو زملائي في العملية السياسية جميعا الى الخروج من فناء الانا والطائفة والعرق والفئة والجهة والمنطقة والحزب الى افق الوطن الارحب والاوسع، فالانا الضيقة والطائفة المنغلقة والعرق المتعصب، والحزب المتحزب لنفسه لا لوطنه، والفئة الضالة في فئويتها، لاتصنع وطنا سيدا قويا منيعا يعيش فيه ابناؤه برخاء وسعادة وسلام وامن. فلنغادر هذه الاوعية الصغيرة بارادة واحدة وعزم واحد ولتتوجه وجوهنا جميعا شطر العراق وطننا الاسمى والارفع والاعلى من كل عنواناتنا الضيقة، ولنترك خلفنا كل خلافاتنا، ونشرع ببناء الحاضر والمستقبل قلبا واحدا ويدا واحدة.
ونقول لهم باسمك ايها الشعب العظيم ان السباحة في المياه العكرة لا تجدي نفعا، فالشعب العراقي الذي قدم قوافل من الشهداء على مذبح الحرية والديمقراطية والسلام لن يسمح لأي كان بالتلاعب بمكتسباته وإنجازاته التاريخية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لرئيس مجلس النواب العراقي
2-1-2012