كلمة السيد رئيس مجلس النواب بمناسبة المولد النبوي الشريف


       بسم الله الرحمن الرحيم
“طه، ما انزلنا عليكَ القرآنَ لتشقى، الا تذكرةً لمن يخشى، تنزيلاً ممن خلقَ الارضَ والسمواتِ العلى”
صدق الله العظيم

يا ابناء شعبنا العراقي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  ابارك للعراقيين والامتين العربية والاسلامية، عيد المولد النبوي الشريف.. اتقدم بهذه المناسبة الايمانية العظيمة بالتهنئة، مذكرا بالخلق القويم الذي تميز به محمد بن عبد الله، قبل ان يبعث رسولا، وسط معضلات شائكة يعانيها المجتمع المكي، اسهم بفك اشتباكاتها، من خلال شخصيته وكرم اصله، تحتكم اليه القبائل، فيقضي بما تشتجر فيه، وهو لم يزل صبيا.
فحين نحتفل بمولد فخر الكائنات، نستحضر المدرسة التربوية التي كفل فيها الاسلام حقوق الفرد والمجتمع، اذ نعيش حاضرا مأزوما يكتظ بالتحرزات الفئوية التي تسلخه عن روح المواطنة، في وقت تقضي المرحلة بالانتماء للعراق اكثر من العشيرة وللاسلام اكثر من الطائفة، نتخذ من قوله.. جل القائل:
“والسماءَ رفعَها ووضَع الميزانَ، الا تطغوا في الميزانِ”
صدق الله العظيم
ايها العراقيون، اننا مطالبون الان اكثر من اي وقت مضى بالاصرار على التمسك بحقوق الانسان والحفاظ عليها بغية تأمين سبل العيش الآمن الكريم؛ فضياع حقوق الانسان ينسف الديمقراطية الوليدة في العراق، ويجهضها من رحم المستقبل.
وبالرغم من اقرار الدستور الذي يحتوي الكثير من المواد التي تكفل وتصون حقوق الانسان وتؤكد التزام العراق بالقوانين والمواثيق الدولية الا ان تلك النصوص بقيت من دون التزام حقيقي بها مثل اساليب التعذيب المتنوعة في السجون، والمداهمات التي تتعارض مع القوانين المرعية، ناهيكم عن الكثير من السجناء رهن الاعتقال من دون تهم ولا محاكمات وتبث اعترافات او يظهر اشخاص متهمون بجرائم على شاشات التلفزيون تزيد من حدة التوترات السياسية والطائفية، تصعيدا يخالف القانون ويهين كرامة الانسان.
ايها العراقيون النجباء، بمناسبة المولد النبوي ادعو الساسة الى التفكير بصوت عال امام الشعب.. يجاهرون بما يسرون، ملتزمين الصوت ورجع صداه، وليكن مولده.. صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم.. حدا فاصلا بين عهد اللامبالاة بالشعب وعهد الجدية في السعي لتطمين احتياجاته في الخدمات والامن والاقتصاد، مترسما الامل في المؤتمر المزمع عقده في قابل الايام، ان ننطلق منه الى تشكيل لجان تتابع القضايا التي نتفق بشأنها، واعطاء حزمة اللجان صلاحيات دستورية تتابع الاجراءات المتخذة عمليا في ما نتوصل اليه، بهدف انشاء منظومة ثقة مؤطرة بالصدق تأسيسا على الولاء للعراق وحده من دون تشظ فئوي.. طائفي.. منحاز، على الاقل لمن هو في السلطة، مصدرا للقرار، فاية سلطة بلا رقابة تتحول الى عصابة، خاصة اذا سعت هي بنفسها الى التملص من سطوة الرقابة، بنية مبيتة, اذ على رجل السلطة ان يتجرد عن الانحيازات الطائفية الضيقة، مترفعا عن تقزيم النظراء، فكرامة اي عراقي جزء لا يتجزأ من كرامة العراقيين جميعا. ” انما المؤمنون اخوة ” لا تمييز بينهم في الممارسات الدستورية التي توسع قاعدة الممارسة الشعبية في سلطة القرار.
ولهذا اصارحكم بان مؤتمراتنا السابقة، جرت في اجواء من التوجس، افرغتها من مضمونها وعمقت الهوة بين الكيانات الى شكوك متبادلة؛ ما ادى الى ردود فعل هوجاء لم تبق لتأملات الحكمة موضعا.
ولكي ياخذ كلامنا قيمة عملية؛ يجب وضع سقوف زمنية للانجاز تتعهد لجان المراقبة والتنفيذ المنبثقة عن المؤتمر المقبل ان شاء الله، بالتزام التوقيتات ودقة الاداء؛ فان لم نحسن تبادل الثقة في ما بيننا، كشركاء حقيقيين في العملية السياسية، لن يثقَ بنا الشعب.
ايها العراقيون باسمكم اخاطب اخوتي في العملية السياسية بان اغفال الشريك السياسي اثناء تمرير القرارات، يشعر المواطن بانه مغيب عن قدره؛ ما يؤدي الى انفضاض الشعب من حول الدستور، الذي يجب تفعيل اركانه بما يخدم العراقيين كافة ويتوجب تقييم مواد الدستور وفق مرونة نابعة من التجربة التطبيقية، تبقي النافع وتعيد النظر بما لا يثبت نفعا، كما تنص الاية الكريمة:
“اما الزبدُ فيذهبُ جفاءً واما ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الارضِ”.
صدق الله العظيم
فالعراق يشهد تداخلات سياسية وخدمية واقتصادية، استفزت الشباب واستنفرتهم بالحق الذي لخصته حكمة الامام علي.. عليه السلام “ما اقسى كلامَ السوءِ من فمٍ مطالبٍ بحقٍ” فلا ندع العراق عرضة لقسوة ابنائه الذين باتوا قاب قوسين او ادنى من طويه حلقة في سلسلة ثورات الربيع العربي المتلاحقة، من تونس الى مصر فليبيا واليمن والحبل على الغارب.
تواصلا مع ما اسلفنا اقول:
ليكن المؤتمر المقبل منطلقا جديا لتقويم العملية السياسية، بقياس الغائب على الشاهد، فتسع سنوات مضت بين وجود اجنبي وارهاب وفساد مالي واداري، نتعظ منها بنتائج تعصم المستقبل من تكرار الخطأ، في سبيل تقويم مسار العملية السياسية بعد ان تعرضت لتشوهات عديدة جراء تنامي (الانوية) التي تنزع الى الفردية والحزبية والجهوية الضيقة.
وثاني الاولويات هو تفعيل التوازنات الدستورية والوطنية، لنقيم دولة مؤسسات مدنية صريحة بدل البحث عن ثغرات تحيد الشركاء وتسقط الحجة في ايديهم.
وثالث الاولويات التي تحتاج وقفة تأملية هي الغاء المظاهر المسلحة بعد ان تشكلت عنوة، خارج الدستور, باجراءات امنية رصينة، تخفف من عسكرة الشارع وتحقق جدوى اكبر في حفظ الامن، بعد ان اكتظت المدن بسيطرات غير فعالة, لم تفلح في الحد من انفلات المخربين الذين يعيثون موتا في البلاد.
فالملف الامني لن ينجز من دون اكمال جاهزية قواتنا المسلحة والمدربة بحجم المهمة في مواجهة التحديات المحتملة.. داخليا وخارجيا.
اما رابع الاولويات، فهي عصمة القضاء من ضغوطات نعرف مصدرها ونتحاشى تشخيصه حفاظا على وحدة العراق واملا في صلاح مرتجى.
فالقضاء مجس حضاري لمعرفة مستوى رقي البلد، يجب ان تتضافر الجهود في سبيل الحفاظ على نزاهته واستقلاليته وحرمة احكامه؛ كي لا يحيق المكر السيء باهله، وتلتف البدعة على من افتراها ولو بعد حين.
ولهذا اتمنى من المؤتمر المقبل، قريبا باذن الله، التاكيد على استقلالية القضاء والكف عن ممارسة الضغوط عليه، حفاظا على حرمته المقدسة ميزانا عادلا.
وثمة قضايا عالقة اجملها سريعا برجاء احالتها الى اللجان التي افترضنا انبثاقها عن المؤتمر، منها (ملف المعتقلين) و(ملف العلاقات الخارجية) و(ملف الفساد) و(ملف الاعلام) و(ملف الاقاليم والمحافظات), بسبب ما يقوم به البعض من التفافات على الدستور اذ ينتقون نصوصا تدعم اهواء النفس الامارة بالسوء ويلوون نصوصا تعارض الهوى، ما ادى الى انفراط المحافظات من حول المركز، واستفزت حكوماتها المحلية.
كما واتوجه الى العراقيين والاعلاميين منهم خاصة مذكرا بان المؤسسة الاعلامية العائدة للدولة تمول من المال العام, وان على الاعلام ان يمثل نبض الشارع بكل الوانه وطوائفه بحيادية وتوازن تنأى به عن التحول الى اداة للتحريض الأثني.. طائفيا وعرقيا؛ ما يشيع الفرقة ويشتت شمل البلد، انما نريده اعلاما يعمل على رص الصفوف توحدا.
ومن بين الحقائق التي تحتاج الى تمعن ودراسة, تجاوزات بعض دول الجوار التي لا تحسب للعراق حسابا.
فمراعاة حسن الجوار وعدم تدخل دول المحيط الاقليمي في شؤوننا الداخلية والتعايش السلمي وتبادل المصالح والندية مع جميع الدول، تعد من مقومات السيادة الاساسية التي نسعى لاستردادها بعد الانسحاب الامريكي.
عطفا على (الملف التشريعي) اقول: يجب تعديل الدستور الى ما يسهم بتحويل العراق الى دولة مؤسسات مدنية حديثة، تمكن المواطن من التمتع بثرواته الوطنية، عيشا كريما رغيدا باذخ الايمان بالله والحياة، لا يعكر صفو تفاؤله انفجار او انطفاء الكهرباء او ينسف وجوده مسدس كاتم للصوت.
فالسلطان في الدولة المدنية الحديثة هو القانون المسيرة فقراته على سكة المشاركة في السلطة وصنع القرارات فيها بالتشارك وليس بالاحتكار استيلاء على مقاليد الحكم وصولجان الملوكية المنفردة تيها.. تتوحد بذاتها في صنع قدر البلاد.
ختاما.. اهنئ مرة اخرى بعيد المولد النبوي الشريف وكل عام والعراقيون امة من دون الناس، لا تتضخم فيه ارادة تقفز فوق قوانين الدستور.
آمل ان نحتكم الى منطق العقل في تسوية المعضلات الشائكة التي تشتبك من حولنا فتعيى الحيلة عن انتشالنا من بين طياتها.
السلام على رسول الله محمد يوم ولد ويوم ارتقت روحه الطاهرة الى رحاب الجنة ويوم بعث بالحق شفيعا للمسلمين.
اسال الله الوسيلة لرسوله شفيعا للعراقيين في تخطي المحنة من خلال مؤتمر ناجح يصحح المسارات الملتوية ويقوم ما اعوج سهوا او بالاكراه. كل يلتمس لاخيه سبعين عذرا كما يقول الحديث النبوي الشريف.
وقى الله العراقيين الزلل والاعتذار وهداهم الى سبيل وطني قويم، وجمع كلمتهم على الصلاح، لبناء وطن انموذجي على ارض الانبياء والاولياء الطاهرين.
“ما اجتمعتْ امتي على باطلٍ” قالَ الرسول صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم، فلنكن بحجم مباهاة الرسول للامم بنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته